الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **
وتوفي القاضي جلال الدين عبد الرحمن ابن الشيخ نورالدين علي ابن العلامة سراج الدين عمر بن الملقن الشافعي في صبيحة يوم الجمعة ثامن شوال وقد جاوز الثمانين بأيام قليلة. ومات فجأة. وكان من بيت علم وفضل وناب في الحكم سنين وولي عدة وظائف دينية ودرس بعدة مدارس وكان مشكور السيرة دينًا عاقلًا مليح الوجه حسن السمت رحمه الله تعالى. وتوفي الشيخ زين الدين خالد بن أيوب بن خالد شيخ خانقاه سعيد السعداء في يوم الأربعاء ثالث عشر شوال بعد مرض طويل. وولي المسجد بعده الشيخ تقي الدين عبد الرحمن القلقشندي رحمه الله تعالى. وتوفي الأمير الوزير الصاحب شمس الدين منصور بن الصفي قتيلًا. ضربت رقبته تجاه الصالحية بحكم قاضي القضاة حسام الدين بن حريز المالكي في يوم الأربعاء العشرين من شوال وسنه دون الأربعين سنة بعد أن قاسى شدائد من الضرب والعصر والمصادرات والسجن لتحامل أهل الدولة عليه. وقد سقنا حكايته بتطويل في تاريخنا " الحوادث " رحمه الله تعالى. وتوفي الشيخ شمس الدين محمد بن علي بن محمد المعروف بابن الفألاتي الفقيه الشافعي في يوم الجمعة رابع عشر ذي القعدة وهو في أوائل الكهولية. والفألاتي كانت صناعة أبيه. وكان أبوه وأعمامه ثلاثة إخوة: كان عمه الواحد أديبًا حكمًا لأدباء العوام عاميًا يجلس على الطرقات في وسط حلقة وعمه الآخر على قيد الحياة يتكسب بالتنجيم بالرمل وكان والد شمس الدين حكويًا يجلس على الطرقات وعليه حلقة كعادة العوام وكان مع هذا حكمًا للمصارعين. ونشأ شمس الدين هذا على هيئة العوام إلا أنه حفظ القرآن العزيز فلما كبر حبب إليه الاشتغال بالعلم فاشتغل على جماعة من العلماء في فنون كثيرة وعد من أعيان الفقهاء رحمه الله تعالى. وتوفي الأمير سيف الدين تغري برمش السيفي قراخجا الحسني أحد أمراء العشرات ورأس نوبة في ليلة الخميس ثامن عشر ذي الحجة وقد ناهز الستين أو جاوزها بقليل. ودفن من الغد وحضر السلطان الصلاة عليه بمصلاة المؤمني رحمه الله تعالى. وتوفي بير بضع بن جهان شاه بن قرا يوسف بن قرا محمد التركماني الأصل صاحب بغداد والعراق قتيلًا بسيف والده جهان شاه بعد أن حصره ببغداد نحو ثلاث سنين. وكان كآبائه وأجداده سيىء الاعتقاد محلول العقيدة راحت روحه إلى سقر ويلحق الله به من بقي من أقاربه.
: الماء القديم سبعة أذرع ونصف. مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعًا وستة أصابع. السنة السابعة من سلطنة الظاهر خشقدم وهي سنة إحدى وسبعين وثمانمائة. فيها توفي أتابك العساكر بالديار المصرية الأمير قانم من صفر المؤيدي المعروف بالتاجر فجاءة في ليلة الاثنين حادي عشر صفر وسنه نحو السبعين. وكان أصله من مماليك الملك المؤيد شيخ وأعتقه وصار خاصكيًا في دولة ولده المظفر أحمد ابن شيخ ولا زال على ذلك إلى أن تأمر عشرة في دولة الملك العزيز يوسف ابن السلطان الملك الأشرف برسباي. واستمر في دولة الظاهر جقمق كلها على ذلك وحج أمير الركب الأول غير مرة وتوجه في الرسلية إلى جهان شاه بن قرا يوسف ملك الشرق ثم إلى خوندكار بن عثمان متملك بلاد الروم ئم عاد ودام بمصر إلى أن صار في دولة الملك الأشرف إينال من جملة أمراء الطبلخانات ثم صار أمير مائة ومقدم ألف بعد موت خيربك النوروزي المؤيدي الأجرود ثم صار في دولة الملك المؤيد أحمد بن إينال رأس النوب بعد الأمير قرقماس الأشرفي بحكم انتقاله إلى إمرة مجلس واستمر على ذلك إلى أن نقله خجداشه الملك الظاهر خشقدم إلى إمرة جلس بعد انتقال قرقماس أيضًا إلى إمرة سلاح بعد انتقال الأمير جرباش إلى الأتابكية عوضًا عن الملك الظاهر خشقدم. وعظم قانم في دولة خجداشه خشقدم المذكور ونالته السعادة زيادة على ما كان أولًا ودام على ذلك إلى أن نقله إلى الأتابكية بعد إخراج الأتابك جرباش المحمدي إلى ثغر دمياط بطالًا فدام على الأتابكية إلى أن مات فجاءة في التاريخ المقدم ذكره. وكان من أجل الملوك وأعظمهم لولا تكبر كان فيه رحمه الله تعالى وعفا عنه. وتوفي الأمير سيف الدين برسباي بن عبد الله البجاسي نائب الشام بها في يوم الاثنين ثامن عشر صفر وقد زاد سنه على الستين بعد مرض طويل. وكان من عتقاء الأمير تنبك البجاسي نائب دمشق الذي كان خرج على الملك الأشرف برسباي وقتل في سنة سبع وعشرين وثمانمائة فكان بين وفاة برسباي هذا ووفاه أستاذه تنبك نحو أربع وأربعين سنة. ولما قتل أستاذ برسباي هذا تنقل في الخدم حتى صار من جملة المماليك السلطانية وترقى إلى أن صار أمير عشرة في دولة الملك الظاهر جقمق ثم جعله نائب الإسكندرية ثم صار في دولة الأشرف إينال أمير مائة ومقدم ألف. ثم لما مات حاجب الحجاب جانبك القرماني الظاهري في شوال سنة إحدى وستين جعل هذا موضعه حاجب الحجاب ثم نقل إلى الأمير آخورية الكبرى في سنة أربع وستين بعد موت يونس العلائي وذلك بعد أن صاهر السلطان وتزوج ببنت الأمير بردبك الدوادار الثاني وهي بنت بنت السلطان فلم يكن مكافأة برسباي هذا للأشرف إينال على ما خوله من النعم إلا أنه لما خرج القوم على ولده الملك المؤيد أحمد بن إينال غدره ومال إلى الملك الظاهر خشقدم فعابه كل أحد على ذلك. وليت الملك الظاهر خشقدم عرف له ذلك بل أخرجه بعد قليل إلى نيابة طرابلس ثم تنقل بعد نيابة طرابلس إلى نيابة الشام ببذل المال ولم يتهنأ بدمشق بل مرض وطال مرضه إلى أن مات. وكان رجلًا عاقلًا عفيفًا عن المنكرات والفروج ولم يعف عن الأموال وكان بخيلًا جدًا عفا الله عنه. وتوفي شيخ مكة ومحدثها ومسندها تقي الدين أبو الفضل محمد بن نجم الدين محمد بن أبي الخير محمد بن عبد الله بن فهد الهاشمي المكي الشافعي بمكة في يوم السبت سابع شهر ربيع الأول ومولده بأصفون الجبلين من صعيد مصر في يوم الثلاثاء خامس شهر ربيع الأول سنة سبع وثمانين وسبعمائة وقد استوعبنا ترجمته في تاريخنا " الحوادث ". وتوفي الأمير سيف الدين قانم بن عبد الله الأشرفي المعروف بقانم نعجة أحد أمراء العشرات ورأس نوبة شبه الفجاءة في ليلة الأحد سادس عشر جمادى الأولى وقد جاوز الستين. وكان من مماليك الملك الأشرف برسباي وتأمر في دولة الملك الأشرف إينال إلى أن مات. وكان مسرفًا على نفسه منهمكًا في اللذات وعنده بطش وظلم. وتوفي الأمير سيف الدين تمراز بن عبد الله الإينالي الأشرفي الدوادار الثاني كان مقتولًا بسيف الشرع بقلعة المرقب في يوم السبت تاسع عشر جمادى الأولى ومات وقد زاد سنه على الستين. وحكاية تمراز هذا طويلة وما وقع له من الحبس والنفي والمحن يطول الشرح في ذكره استوعبنا غالب أموره في وقتها في تاريخنا " حوادث الدهور في مدى الأيام والشهور ". وبالجملة إن تمراز هذا كان من مساوىء الدهر لفظًا ومعنى عفا الله تعالى عنه. وتوفي الخواجا التاجر بدر الدين حسن الطاهر اليمني الأصل والمولد والمنشأ المكي الدار والوفاة شاه بندر جدة بمكة في جمادى الأولى وقد عمر وشاخ وانتهت إليه رئاسة التجار بمكة في كثرة المال والبخل وقيل إنه كان زيدي المذهب مع جهل مفرط وبعد عن كل علم وفن. وتوفي قاضي القضاة شرف الدين يحيى بن سعد الدين محمد بن محمد المناوي الشافعي قاضي قضاة الديار المصرية وعالمها معزولًا في ليلة الثلاثاء ثالث عشر جمادى الآخرة ودفن من الغد بالقرافة الصغرى وقد زاد سنه على السبعين. وحضر السلطان الصلاة عليه بمصلاة المؤمني وكانت جنازته مشهودة وكثر أسف الناس عليه لغزير فضله ودينه وحسن سيرته ومات ولم يخلف بعده مثله رحمه الله تعالى. وتوفي القاضي زين الدين عبد الغفار بن مخلوف السمديسي المالكي أحد نواب الحكم بالديار المصرية وهو في آخر الكهولية وكان معدودًا من فضلاء المالكية. وتوفي الإمام نور الدين علي بن أحمد بن علي السويفي المالكي إمام السلطان في يوم الخميس رابع عشر شهر رجب وهو في عشر المائة من العمر بعد أن خدم عدة ملوك وولي حسبة القاهرة رحمه الله تعالى. وتوفي الحافظ تقي الدين أبو الفضل عبد الرحمن بن قطب الدين أحمد القلقشندي الشافعي شيخ خانقاه سعيد السعداء الصلاحية في ليلة الثلاثاء ثالث شعبان ومولده في شهر رجب سنة سبع عشرة وثمانمائة. وكان من الفضلاء وصحبني سنين كثيرة وسمعت أشياء عالية من الحديث بقراءته ذكرنا ذلك كله في ترجمته في " الحوادث " رحمه الله تعالى. وتوفي الأمير شهاب الدين أحمد بن ناصر الدين محمد المعروف بابن قليب حاجب حجاب طرابلس وأستادار السلطان بها في يوم الخميس خامس شعبان. وتوفي أميرزة بن شاه أحمد بن قرا يوسف في يوم السبت رابع ذي القعدة بالقاهرة بسكنه بباب الوزير خارج القاهرة وسنه زيادة على ثلاثين سنة وأظنه حفيد شاه أحمد بن قرا يوسف لا ولده رحمه الله تعالى. وتوفي الأمير سيف الدين جانبك بن عبد الله الناصري المعروف بالمرتد أحد مقدمي الألوف بالديار المصرية بطالًا بعدما شاخ وكبر سنه. وكان من المهملين في أيام عمله وبطالته رحمه الله تعالى. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ستة أذرع وعشرون إصبعًا. مبلغ الزيادة تسعة عشر ذراعًا سواء. سلطنة الظاهر أبي نصر يلباي الإينالي المؤيدي وهو السلطان التاسع والثلاثون من ملوك الترك وأولادهم والرابع عشر من الجراكسة وأولادهم. تسلطن في آخر نهار السبت عاشر شهر ربيع الأول من سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة قبل الغروب بنحو ثلاث درج رمل. وسبب تأخيره إلى هذا الوقت أنه لما مات الملك الظاهر خشقدم بعد أذان ظهر يوم السبت المقدم ذكره طلع الأتابك يلباي المذكور وجميع الأمراء إلى القلعة وقبل أن يتكلموا في ولاية سلطان أخذوا في تجهيز الملك الظاهر خشقدم والصلاة عليه فغسلوه وأخرجوه وصلوا عليه عند باب القلة ونزلوا به إلى حيث دفن بمدرسته التي أنشأها بالصحراء بالقرب من قبة النصر وحضرت أنا دفنه ولم يحضره من أعيان الأمراء إلا جماعة يسيرة حسبما تقدم ذكره في وفاته وهذا كله بخلاف العادة فإن العادة سلطنة سلطان ثم يؤخذ في تجهيز السلطان الذي مات. ولما أنزل نعش الملك الظاهر خشقدم من القلعة شرعوا عند ذلك في سلطنة الأتابك يلباي وكان قد انبرم أمره في ضحوة نهار السمبت هذا مع الأمراء ومماليك الملك الظاهر خشقدم وكبيرهم يوم ذاك خير بك الدوادار الثاني وخشكلدي البيسقي أحد مقدمي الألوف. ولما أذعن مماليك الظاهر الأجلاب بسلطنة يلباي لم يختلف عليه يومئذ أحد لأن الشوكة كانت للأجلاب وهم أرادوه والظاهرية الكبار تبع لهم وأما المؤيدية فخجداشيته فتم أمره. وكيفية سلطنته أنه لما عادوا من الصلاة على الملك الظاهر خشقدم جلسوا عند باب الستارة وقتًا هينًا وإذا بالأمير خيربك خرج من باب الحريم ومعه جماعة من خجداشيته وأخذوا الأتابك يلباي وأدخلوه من باب الحريم ومضوا به إلى القصر السلطاني وخاطبوه بالسلطنة فامتنع امتناعًا هينًا فلم يلتفتوا إلى كلامه وأرسلوا إلى الأمراء أحضروهم إلى القصر من خارج فوجدوا القصر قد سقط بابه فدخلوا من الإيوان إلى القصر فتفاءل الناس زواله بسرعة لغلق باب القصر. فدخلت الأمراء قبل أن يحضر الخليفة والقضاة وطال جلوسهم عنده وقبلت الأمراء الأرض قبل المبايعة وهم في هرج لإحضار الخليفة والقضاة إلى أن حضروا بعد مشقة كبيرة لعسر طريق القصر إذ المصير إليه من الإيوان السلطاني وأيضًا حتى لبست الأمراء قماش الموكب وتكاملوا بعد أن فرغ النهار. وقد أخذوا في بيعته وسلطنته ولبسوه خلعة السلطنة بالقصر وجلس على تخت الملك من غير أن يركب فرسًا بأبهة الملك على العادة وقبلوا الأمراء الأرض بين يديه وتم أمره فكان جلوسه على كرسي السلطنة قبل الغروب بثلاث درج حسبما تقدم ذكره. وخلع على الأمير تمربغا أمير مجلس بالأتابكية ثم خلع على الخليفة فدقت البشائر ونودي بسلطنته وتلقب بالملك الظاهر يلباي. والآن نشرع في التعريف به قبل أن نأخذ فيما وقع له في سلطنته من الحوادث فنقول: أصله جاركسي الجنس جلبه الأمير إينال ضضع من بلاد الجاركس إلى الديار المصرية في عدة مماليك فاشتراه الملك المؤيد شيخ قبل سنة عشرين وثمانمائة وأعتقه وجعله من جملة المماليك السلطانية وأسكنه بالقلعة بطبقة الرفرف. ثم صار خاصكيًا بعد موت أستاذه ودام على ذلك إلى أن صار من أعيان الخاصكية. وأنعم الأشرف برسباي عليه بثلث قرية طحورية من الشرقية ثم نقله الملك العزيز يوسف ابن السلطان الملك الأشرف برسباي إلى نصف بنها العسل بعد أيتمش المؤيدي. ثم صار ساقيًا في أوائل دولة الملك الظاهر جقمق فلم تطل أيامه في السقاية وأمره عشرة وجعله من جملة رؤوس النوب فدام على ذلك إلى أن تسحب الملك العزيز يوسف ابن الملك الأشرف برسباي من قلعة الجبل واختفى إلى أن ظفر به يلباي هذا في بعض الأماكن وطلع به إلى الملك الظاهر جقمق فأنعم عليه الملك الظاهر جقمق بقرية سرياقوس زيادة على ما بيده وصار أمير طبلخاناه. ودام على ذلك إلى أن تسلطن الملك المنصور عثمان ابن السلطان الملك الظاهر جقمق فقبض على يلباي هذا وعلى اثنين من خجداشيته: دولات باي الدوادار الكبير ويرشباي الأمير آخور الثاني وذلك في سنة سبع وخمسين وحبس بثغر الإسكندرية إلى أن أطلقه الملك الأشرف إينال من سجن الإسكندرية وأطلق خجداشيته المذكورين ووجهه إلى دمياط بطالًا ثم أحضره إلى القاهرة بعد أيام قليلة فاستمر بطالًا مدة يسيرة. وقتل الأمير سونجبغا اليونسي الناصري ببلاد الصعيد وكان سونجبغا هو الذي أخذ إقطاع يلباي هذا بعد مسكه فأعاده الملك الأشرف إينال إليه وصار على عادته أولًا أمير طبلخاناه إلى أن مات الأمير خير بك المؤيدي الأشقر الأمير آخور الثاني فنقل يلباي هذا إلى الأمير آخورية الثانية من بعده فدام على ذلك إلى أن أنعم عليه الملك الأشرف إينال بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية فدام على ذلك إلى أن نقله الملك الظاهر خشقدم إلى حجوبية الحجاب بالديار المصرية عوضًا عن بيبرس خال العزيز بحكم انتقاله إلى وظيفة رأس نوبة النوب بعد انتقال الأمير قانم إلى إمرة مجلس بعد انتقال قرقماس إلى إمرة سلاح بحكم انتقال جرباش إلى الأتابكية عوضًا عن الملك الظاهر خشقدم وذلك في يوم الأربعاء سابع شوال. فاستمر يلباي هذا على الحجوبية إلى أن نقله الملك الظاهر خشقدم إلى الأمير آخورية الكبرى بعد توجه برسباي البجاسي إلى نيابة طرابلس بعد القبض على الأمير إياس المحمدي الناصري وذلك في يوم الخميس سابع عشر المحرم سنة ست وستين. فدام يلباي هذا في هذه الوظيفة إلى أن نقل إلى أتابكية العساكر بالديار المصرية بعد موت الأتابك قانم دفعة واحدة بعد أن كان يجلس في مجلس السلطان خامس رجل وذلك في يوم الاثنين ثامن عشر صفر سنة إحدى وسبعين وثمانمائة. واستمر على ذلك إلى أن مرض الملك الظاهر خشقدم وثقل في مرضه وتكلم الناس فيمن يتسلطن فيما بينهم فرشح جماعة فاختارت الأجلاب يلباي هذا كونه أتابك العساكر وأيضًا خجداش أستاذهم فتسلطن وتم أمره حسبما تقدم ذكره انتهى. قلت: ولما استمر جلوسه بالقصر السلطاني رسم في الحال بسفر الأمير قرقماس أمير سلاح بمن كان عين معه من الأمراء والمماليك السلطانية إلى الصعيد وكان له أيام مقيمًا بالمركب وكذلك جميع من كان عين معه وسافروا من يومهم أرسالًا. ثم خلع الملك الظاهر يلباي على الأتابك تمربغا في يوم الاثنين ثاني عشره خلعه نظر البيمارستان المنصوري. و خلع على خجداشه الأمير قاني بك المحمودي المؤيدي بإمرة مجلس عوضًا عن الأتابك تمربغا وأنعم عليه بإقطاع تمربغا أيضًا. وخلع على تمر المحمودي والي القاهرة خلعة الاستمرار وكذلك على القاضي علم الدين كاتب المماليك. وفيه ورد كتاب يشبك من مهدي كاشف الوجه القبلي يتضمن أنه ولى سليمان بن عمر الهواري عوضًا عن ابن عمه وأنه لا حاجة له بتجريدة فلم يلتفت السلطان إلى مقالته في عدم إرسال تجريدة إلى بلاد الصعيد لغرض يأتي بيانه. ثم في يوم الخميس خامس عشره خلع السلطان على جميع مباشري الدولة باستمرارهم على وظائفهم. وفيه نودي بأن نفقة المماليك تكون من أول الشهر يعني أول ربيع الآخر. وفيه عمل المولد النبوي بالحوش على العادة. وقبل أن يفرغ المولد ندب السلطان الأمير برسباي قرا الظاهري والأمير جكم الظاهري وطرباي الظاهري البواب أن يتجهزوا إلى الصعيد لمسك الأمير قرقماس أمير سلاح والأمير قلمطاي رأس نوبة والأمير أرغون شاه ويتوجهوا بهم إلى حبس الإسكندرية ولم يعلم أحد ما الموجب لذلك. وفي يوم السبت سابع عشره أعاد السلطان القاضي قطب الدين الخيضري إلى كتابة السر بدمشق بعد عزل الشريف إبراهيم بن السيد محمد. وفيه أيضًا استقر الصارمي إبراهيم بن بيغوت الأعرج حاجب الحجاب بدمشق عوضًا عن شرامرد العثماني المؤيدي. وفيه وصل الخبر بقدوم الأمير أزبك رأس نوبة النوب من تجريدة العقبة بعد أن أمسك مباركًا شيخ بني عقبة الذي قطع الطريق على إقامة الحجاج. ثم وصل الأمير أزبك في يوم الاثنين تاسع عشره وخلع السلطان عليه وعلى رفيقه الأمير جانبك قلقسيز حاجب الحجاب ورسم بتسمير مبارك شيخ بني عقبة المقدم ذكره ورفقته وكانوا أزيد من أربعين نفرًا فسمروا الجميع وطيف بهم الشوارع ثم وسطوا في آخر النهار عن آخرهم. وفي يوم الخميس ثاني عشرينه ورد الخبر على الملك الظاهر يلباي بعصيان الأمير بردبك نائب الشام وأنه قتل جميع النواب المجردين معه لقتال شاه سوار بن دلغادر وكان الأمر غير ذلك. ووقع أمور حكيناها مفصلة في تاريخنا " حوادث الدهور في مدى الأيام والشهور " محصولها أن بردبك المذكور كان تهاون في قتال شاه سوار المذكور وخذل العسكر الشامي لما كان في قلبه من الملك الظاهر خشقدم رحمه الله فكان ذلك سببًا لكسر العسكر الشامي والحلبي وغيرهم ونهبهم وقتل في هذه الواقعة نائب طرابلس قاني باي الحسني المؤيدي ونائب حماة تنم خوبي الحسيني الأشرفي وأتابك دمشق قراجا الخازندار الظاهري وأتابك حلب قانصوه المحمدي الأشرفي وغيرهم من أمراء البلاد الشامية وغيرهم حسبما يأتي ذكرهم في الوفيات على عادة هذا الكتاب انتهى. قلت: وجاء هذا الخبر والديار المصرية غير مستقيمة الأحوال لعم المدبر. والطرق مخيفة والسبل غير آمنة. وما ذاك إلا أن الملك الظاهر يلباي لما تسلطن وتم أمره غطاه المنصب وصار كالمذهول ولزم السكات وعدم الكلام وضعف عن بت الأمور وردع الأجلاب بل صارت الأجلاب في أيامه كما كانت أولًا وأعظم فلم يحسن ذلك ببال أحد وصار الأمير خيربك الدوادار الثاني هم صاحب الحل والعقد في مملكته وإليه جميع أمور المملكة. وشاع ذلك في الناس والأقطار وسمته العوام: " أيش كنت أنا قل له " يعنون أن السلطان لما يسأل في شيء يقول: " أيش كنت أنا قل لخيربك " فبهذا وأشباهه اضطربت أحوال الديار المصرية. هذا مع ما ورد من البلاد الحلبية من أمر شاه سوار وقتل أكابر أمراء البلاد الشامية ونهبه للبلاد الحلبية وأخذه قلاع أعمالها وأن نائب الشام بردبك في أسره وأن يشبك البجاسي نائب حلب دخل إلى حلب على أقبح وجه فصار الناس بهذا المقتضى كالغنم بلا راع. فلما كان يوم الاثنين سادس عشرين ربيع الأول المذكور خلع الملك الظاهر يلباي على الأمير أزبك من ططخ الظاهري رأس نوبة النوب باستقراره في نيابة الشام عوضًا عن بردبك الظاهري بحكم انضمامه على شاه سوار. وفيه استقر الأمير قاني بك المحمودي المؤيدي أمير مجلس أمير سلاح عوضًا عن قرقماس الأشرفي بحكم القبض عليه وحبسه بالإسكندرية واستقر قاني بك المذكور مقدم العساكر لقتال شاه سوار بن دلغادر. وعين السلطان في هذا اليوم عدة أمراء تجريدة لقتال شاه سوار فعين من أمراء الألوف قاني بك المقدم ذكره وجانبك الإينالي الأشرفي المعروف بقلقسيز حاجب الحجاب وبردبك هجين أمير جاندار وهؤلاء من أمراء الألوف وعين أيضًا عدة كثيرة من أمراء الطبلخانات والعشرات يأتي ذكر أسمائهم يوم سفرهم من القاهرة ثم عين صحبتهم ستمائة مملوك من المماليك السلطانية. وفيه استقر الأمير إينال الأشقر الظاهري نائب غزة في نيابة حماة عوضًا عن ابن المبارك وكان الناصري محمد بن المبارك قد استقر في نيابة حماة قبل تاريخه عوضًا عن الأمير تنم الحسيني الأشرفي بحكم مرضه وعوده من تجريدة شاه سوار إلى حلب وكان الناصري محمد بن المبارك إلى الآن لم يخرج من الديار المصرية فعزل عنها قبل أن يحكمها أو يتوجه إليها. وكان إينال الأشقر قدم إلى القاهرة مع الأمير أزبك من تجريدة العقبة ثم رشح ابن المبارك إلى نيابة غزة فامتنع عن ولايتها. ثم في يوم الخميس تاسع عشرين شهر ربيع الأول لبس إينال الأشقر خلعة السفر. ثم في يوم السبت ثاني شهر ربيع الآخر ابتدأ السلطان بالنفقة على المماليك السلطانية لكل واحد مائة دينار ففرقت هذه النفقة على أقبح وجه وهو أن القوي يعطى والغائب يقطع والمسن يعطى نصف نفقة أو ربع نفقة ومنع أولاد الناس والطواشية من الأخذ وعاداتهم أخذ النفقة فأحدث الظاهر يلباي هذا الحادث وكثر الدعاء عليه بسبب ذلك وتفاءل الناس بزوال ملكه لقطعه أرزاق الناس فكان كذلك. ومنع السلطان أيضًا أمراء الألوف وغيرهم من النفقة ولم يعط إلا من كتب منهم إلى السفر لا غير فبهذا المقتضى وأمثاله نفرت القلوب من الظاهر يلباي وعظمت الوقيعة في حقه وكثرت المقالة في بخله وعدت مساوئه ونسيت محاسنه إن كان له محاسن وصارت النفقة تفرق في كل يوم سبت وثلاثاء طبقةً واحدة أو أقل من طبقة حتى تطول الأيام في التفرقة. وبالجملة فكانت أيام الملك الظاهر يلباي نكدة قليلة الخير كثيرة الشر وعظم الغلاء في أيامه وتزايدت الأسعار وهو مع ذلك لا يأتي بشيء وجوده في الملك وعدمه سواء فإنه كان سالبة كلية لا يعرف القراءة ولا الهجاء ولا يحسن العلامة على المناشير والمراسم إلا بالنقط مع عسر في الكتابة. وكان الناس قد أهمهم أمر الجلبان أيام أستاذهم الملك الظاهر خشقدم فزادوا بسلطنة الملك الظاهر يلباي هذا همًا على همهم. ثم في يوم الاثنين حادي عشرربيع الآخر استقر الأمير جانبك قلقسيز أمير مجلس عوضًا عن قاني باي المحمودي المنتقل إلى إمرة سلاح واستقر الأمير بردبك هجين عوضه حاجب الحجاب. وفيه أنعم السلطان على الأمير قايتباي المحمودي الظاهري بإقطاع الأمير أزبك نائب الشام واستقر عوضه أيضًا رأس نوبة النوب وأنعم بإقطاع الأمير قايتباي على الأمير سودون القصروي نائب القلعة والإقطاع تقدمة ألف. وفيه أيضًا استقر الأمير خشكلدي البيسقي في تقدمة الألوف عوضًا عن قاني باي المحمودي المؤيدي. ثم في يوم الثلاثاء ثاني عشر ربيع الآخر استقر الأمير سودون البردبكي الفقيه المؤيدي نائب قلعة الجبل بعد سودون القصروي. وفي يوم الأربعاء ثالث عشر ربيع الآخر رسم السلطان أن ينتقل الأمير إينال الأشقر المقدم ذكره من نيابة حماة إلى نيابة طرابلس بعد فقد نائبها الأمير قاني باي المؤيدي الحسني في واقعة شاه سوار وذلك بسعي من إينال المذكور وذلك قبل أن يصل إينال المذكور إلى حماة. ثم في يوم الخميس رابع عشره استقر الناصري محمد بن المبارك في نيابة حماة كما كان وليها أولًا. وفيه استقر مغلباي الظاهري المحتسب شاد الشراب خاناه بعد الأمير خشكلدي البيسقي واستقر طرباي البواب محتسب القاهرة عوضًا عن مغلباي المذكور واستقر سودون السيفي أحمد بن إينال أمير عشرة وأستادار الضحبة وسودون هذا من الأوباش الأطراف. وفيه أنعم السلطان على جماعة من الأجلاب وغيرهم كل واحد بإمرة عشرة والذين أعطوا أزيد من خمسة عشر نفرًا. فالذي أخذ من الأجلاب: أركماس البواب وقايت البواب وطرباي البواب الذي ولي الحسبة وأصباي البواب الذي كان قتل قتيلين أيام استاذه ولم ينتطح في ذلك عنزان وأصطمر البواب وجانم الدوادار ومغلباي الساقي ابن أخت الأمير قايتباي. والذي أخذ الإمرة منهم من الظاهرية الكبار: أزبك الساقي وجانم قشير وقانم أمير شكار وجكم قرا أمير آخور الجمال وسودون الصغير الخازندار وقرقماس أمير آخور. والذي أخذ من السيفية: تمرباي التمرازي المهمندار وبرسباي خازندار يونس الدوادار. وفيه ورد الخبر بأن الأمير بردبك نائب الشام فارق شاه سوار وقدم إلى مرعش طائعًا ثم سار إلى منزلة قارا في يوم الخميس سابع عشر ربيع الآخر.
|